بقلم: [خضر رسلان]
مرة جديدة، يخرج رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ليحرّض الجيش اللبناني، لا على حماية الحدود ولا على ردع العدو الإسرائيلي، بل على أبناء وطنهم أنفسهم. ففي خطابه الأخير، بلغ به الأمر حدًا جعله يطالب الجيش عمليًا بـ«فك رقبة» بعض المواطنين اللبنانيين في الجنوب، على خلفية احتكاك محدود مع دورية تابعة لليونيفيل، في مشهد يختصر أولوياته الحقيقية.
هذا الخطاب المتهوّر لم يراعِ أدنى حساب لحساسيات أهل الجنوب الذين ذاقوا مرارة الاحتلال والاعتداءات لعقود طويلة، ولا لاحترام العلاقة المتوازنة مع قوات الطوارئ الدولية. بل ظهر واضحًا أن هدف جعجع ليس حماية مهمة اليونيفيل ولا صون السيادة، بل مجرد إشعال فتنة داخلية وإثارة صراع بين الجيش اللبناني وأهله خدمة لحسابات لا تنقطع، تعيد إنتاج نفسها بنسخ جديدة كل فترة.
وهنا يطرح اللبنانيون السؤال الذي يختصر كل هذا المشهد:
هل يجرؤ جعجع الذي يريد الجيش أن «يفك رقبة» بعض اللبنانيين، أن يطالب يومًا هذا الجيش نفسه بـ«فك رقبة» الصهاينة الذين ينتهكون السيادة كل يوم، يخترقون الأجواء، يحتلون الأرض ويقتلون الأبرياء؟ خصوصًا أنه في الفترة ذاتها تقريبًا، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلّق وتقصف أطراف بعض القرى الجنوبية، في خرق فجّ للسيادة اللبنانية. فلماذا لم نسمعه يطالب الجيش بـ«فك رقبة» أولئك المعتدين، بدلًا من صبّ تحريضه على أهل الجنوب؟
وليس مستغربًا هذا الموقف. فجعجع هو نفسه الذي حاول في الأمس القريب «فك رقبة» الجيش اللبناني فعلًا، حين قاد ميليشياته في الثمانينيات للهجوم على مراكزه، وقتل ضباط برتب لواء وجنود، واحتلال مواقع عسكرية. وهو تاريخ أسود لا يعرفه أهل الجنوب مع الجيش، هؤلاء الذين تقاسموا مع المؤسسة العسكرية الدماء والتضحيات في مواجهة الاحتلال الصهيوني، ووقفوا كتفًا إلى كتف دفاعًا عن الأرض والسيادة.
أما في السياسة، فلا يختلف المسار كثيرًا؛ فالرجل الذي يرفع لواء السيادة عاليًا، لم نسمعه يومًا يضع أولويته لمواجهة العدو الذي ينتهك هذه السيادة صباحًا ومساءً، بل يحصر معاركه داخل الوطن ويهوى إعادة فتح جبهات داخلية لا تخدم سوى من يتربصون بلبنان من الخارج.
وفي السياق ذاته، لا يمكن إغفال تصريحات مسؤول الإعلام والتواصل في حزبه، الذي يخرج علينا بين حين وآخر بمواقف معدّة أو زلات لسان فاضحة، تكشف بوضوح طبيعة التفكير الذي يقوم عليه خطاب «القوات» اليوم. خطاب تكررت فيه الرهانات الخاطئة وتراكمت فيه الإخفاقات، حتى امتلأ بالتحريض والعداء تجاه شريحة واسعة من اللبنانيين.
من يطالب الجيش بـ«فك رقبة» أبناء الجنوب على خلفية مناوشة مع اليونيفيل، ولا يجرؤ أن يطالبه بـ«فك رقبة» الصهاينة الذين يحتلون ويقصفون ويقتلون اللبنانيين، يكشف عن بوصلته الحقيقية: فتنة داخلية يقتات عليها، لا مشروع وطن يحمي جميع أبنائه.
في الختام
الجيش اللبناني هو قوة الوطن الجامعة أمام أي عدوان. لا يجوز لأحد أن يحوله إلى أداة لتصفية الحسابات الداخلية أو لتنفيذ أجندات خارجية. إن وحدة الجيش والشعب بقواه الحية هي الضمانة الحقيقية لحماية لبنان، وأي دعوة لإدخاله في صراعات داخلية لا تخدم إلا أعداء الوطن، وهي فتنة تهدد أمن اللبنانيين واستقرارهم.